-->

نطاق تطبيق مدونة الشغل

نطاق تطبيق مدونة الشغل


من المعلوم أنه إذا ما تكونت القاعدة القانونية، وصدرت عن السلطة التي تخولها المقتضيات الدستورية هذا الحق، فإنها تجد طريقها إلى التطبيق، وإذا كان الأمر كذلك، فإن أول ما يعرض عند تطبيق هذه القاعدة، هو وجوب تحديد نطاق تطبيقها وذلك برسم المدى الذي يبلغه سريان القاعدة القانونية، والذي يتحدد بالنظر إلى ثلاث أبعاد، تتمثل في تحديد المكان الذي تسري فيه القاعدة القانونية، وفي تحديد زمانها، وكذلك في تحديد القطاعات والأشخاص المخاطبين بأحكامها.
وبخصوص مدونة الشغل، وبالنظر إلى الطابع الحمائي الذي تتميز به قواعدها -رغم اقتناعنا بمحدوديته-، فإنه من المهم تحديد القطاعات والأجراء المخاطبين بأحكامها، طالما أن المشمولين بنطاقها هم وحدهم الذين يطالبون ويطالبون بتطبيق أحكامها، فتحديد نطاق تطبيق مدونة الشغل على قدر كبير من الأهمية، لأن تحديده هو في ذات الوقت تحديد لنطاق الحماية الإجتماعية للأجراء، ووضع حد لأي اجتهاد أو تأويل قد يستهدف إبعاد مجال من مجالات الشغل التابع، أو فئة من الفئات التي تمارسه.
والملاحظ أن المشرع لجأ إلى أسلوب السرد والتعداد لتحديد نطاق تطبيق مدونة الشغل، وهي طريقة انتقدها الفقه مطالبا بالإكتفاء بمجرد توافر علاقة الشغل بشروحها من عدمه[1]، أي أن مدونة الشغل تطبق على جميع الأجراء الذين يؤدون نظير أجر عملا لحساب الغير، تحت مراقبته أو إشرافه أو توجيهه وذلك أيا كانت طبيعة أو نوع العمل الذي يؤدونه، سواء لتحديد الأجراء المستفيدين أو تحديد المؤسسات الخاضعة له، حقيقة أن هذه المدونة حاولت تفادي الإنتقاد الفقهي لأسلوب التعداد الحصري للقطاعات والأشخاص الخاضعين لها، كما كان الشأن في ظل المقتضيات القانونية السابقة، وذلك حينما نصت بمقتضى مادتها الأولى على أن أحكامها تسري على الأشخاص المرتبطين بعقد شغل أيا كانت طرق تنفيذه وطبيعة الأجر المقرر فيه وكيفية أدائه، وأيا كان نوع المقاولة التي ينفذ العقد داخلها، لكنه يلاحظ عليها عودتها إلى أسلوب التعداد لتحديد القطاعات والأشخاص الذين يخضعون وتسري عليهم أحكام مدونة الشغل الجديدة، سواء في نفس المادة الأولى أو في المواد 2، 3 و5، وإن كانت أكدت في آخر المادة الأولى. وبعد إعطاء أمثلة للنشاطات الخاضعة لها، على أنها تسري بشكل عام على الأشخاص الذين ارتبطوا بعقد شغل، ويدخل شغلهم في نطاق أي نشاط من النشاطات التي أشارت إليها، هذا من جهة. ومن جهة ثانية نلاحظ أن مدونة الشغل على غرار المقتضيات القانونية السابقة على صدورها، اكتفت في بعض الحالات على مدى توافر التبعية الاقتصادية لتمديد أحكامها إلى بعض الأشخاص كما هو الشأن بالنسبة لأجراء المنازل. ومن جهة ثالثة وتكريسا لبعض الأوضاع القانونية السابقة عن مدونة الشغل، عملت هذه الأخيرة على إخراج بعض الفئات من الأجراء من الخضوع لأحكامها، وذلك رغم توافر أسباب تطبيقها عليهم، كما هو الشأن بالنسبة لأجراء القطاعات التي تتميز بطابع تقليدي صرف وبخدم البيوت، بل يمكن القول أ، مدونة الشغل أخرجت حتى فئة بوابي العمارات من مجال تطبيقها، حيث أحالتهم على نظامهم الخاص الذي يشكله ظهير 8 أكتوبر 1978.[2]
وإذا كانت المدونة الجديدة للشغل أقدمت على إخراج بعض الفئات التي تؤدي عملا تابعا مأجورا، من الخضوع لأحكامها، فإنها بالمقابل قامت بإدخال فئات جديدة لتستفيد من أحكامها وهي فئة الصحافيين المهنيين وأجراء الصناعة السينمائية. كما أشارت المدونة صراحة إلى سريان أحكامها على المؤسسات والمقاولات العمومية التي تتمتع بأنظمة خاصة بها، والمستفيدين من التدرج أو التدريب المهني.
إن موضوع نطاق تطبيق أحكام مدونة الشغل يطرح العديد من الإشكالات وأهمها يدور حول مجال تطبيق هذه المدونة أي من هم الأشخاص الذين يخضعون لأحكامها، ومن هم الأشخاص الغير المستفيدين من أحكامها، ومن هم الأشخاص الذين يخضعون احتياطيا أو استثنائيا لمقتضيات هذه المدونة. وإلى أي حد نجح المشرع المغربي في تمديد أو توسيع مجال تطبيق هذه المدونة، وهل توفق فعلا أم خفق؟
كل هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإجابة عنها، بتناولنا في المبحث الأول القطاعات والأشخاص الخاضعون لقانون الشغل، ونعرض في المبحث الثاني الأشخاص الخاضعون احتياطيا وغير الخاضعون لقانون الشغل.

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

جميع الحقوق محفوظة

دروس القانون

2022